Fırat Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi

Abstract

تعد مسألة إثبات الهلال بالرؤية بالعين أو الحساب الفلكي من الموضوعات المهمة في الفقه الإسلامي، نظرًا لارتباطها الوثيق بالعديد من العبادات الأساسية كالصوم، والحج. وتتناول هذه المقالة مسألة الخلاف في طريقة تحديد مطلع الهلال، وأحكامه في الفقه الإسلامي، وآراء الفقهاء حوله. والتحدي الأكبر في هذا الموضوع هو كيفية التوفيق بين النصوص الشرعية التي تأمر بالاعتماد على الرؤية، وبين التطورات العلمية التي تتيح لنا تحديد بداية الشهر الهجري باستخدام الأدوات الفلكية المتقدمة. فمن جهة، نجد أن الرؤية بالعين المجردة كانت منذ العصور الإسلامية الأولى هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحديد بداية الشهر، وقد ورد في العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تُبيّن كيفية تحديد بداية شهر رمضان وأيام الحج. ومن أبرز الأدلة التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، والتي يُفهم منها أن الصيام مرتبط برؤية هلال رمضان. وأما في السنة النبوية، فقد ورد قوله ﷺ: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فيدل هذا الحديث أيضا على أهمية رؤية الهلال كوسيلة شرعية لإثبات بداية الشهر القمري. ومن جهة أخرى، ظهرت تحديات أخرى تتعلق بتحديد مطلع الهلال، أبرزها استخدام الحسابات الفلكية المتقدمة. حيث يرى بعض العلماء أن الحساب الفلكي يمكن أن يكون وسيلة دقيقة لتحديد بداية الشهر القمري، خاصة مع صعوبة الاعتماد على الرؤية البصرية في بعض الأحيان بسبب سوء الأحوال الجوية أو التلوث الضوئي فتوفر تقنيات فلكية دقيقة تمكننا من تحديد بداية الشهر الهجري بشكل علمي وموثوق، بعيدًا عن الاحتمالات التي قد تنجم عن العوامل المناخية أو الرؤية الضبابية للهلال. فهذه التطورات العلمية فرضت نفسها على الساحة الفقهية، وأدت إلى ظهور آراء جديدة تحاول الجمع بين النصوص الشرعية والحقائق العلمية. فبينما يصر البعض على أن الرؤية بالعين المجردة هي الوسيلة الوحيدة الصحيحة التي أقرها الشارع، يرى آخرون أنه يمكن الاستفادة من الحساب الفلكي كأداة لتحديد بداية الشهر، دون أن يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية، بل إنه قد يساهم في تجنب بعض الإشكالات التي يمكن أن تنشأ من الاختلافات الوارد في رؤية الهلال بين المناطق المختلفة. ومع ذلك، يظل الجدل قائمًا حول مدى مشروعية الاعتماد الكامل على الحساب الفلكي دون رؤية الهلال. كما أن اختلاف المطالع يؤدي إلى تباين في بداية الشهور القمرية بين الدول الإسلامية، مما يسبب انقسامات بين المسلمين في تحديد بدء شهر الصيام وعيد الفطر بالتحديد. فهذه الانقسامات تبرز الحاجة إلى بذل جهود أكبر لتوحيد المواقف الشرعية، إما بالاعتماد على رؤية موحدة أو باستخدام الحساب الفلكي كعامل مساعد. هنا يمكننا القول إن مسألة تحديد مطلع الهلال تتسم بأبعاد شرعية وعملية معقدة. فمن الناحية الشرعية، يستند الفقهاء إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية في تحديد الأحكام المتعلقة برؤية الهلال. ومن الناحية العملية، تتطلب هذه المسألة النظر في المستجدات العلمية والفلكية لتوحيد الرؤى بين المسلمين في العبادات المرتبطة بالشهور القمرية. إن مسألة تحديد مطلع الهلال بالحساب الفلكي لا تقتصر على الجانب العلمي أو الفقهي فقط، بل هي قضية اجتماعية ودينية لها تأثير مباشر على حياة المسلمين في مختلف أنحاء العالم. فبداية شهر رمضان، أو موعد مناسك الحج، يعتمد بشكل أساسي على دقة تحديد بداية الشهر الهجري. من هذا المنطلق، تأتي هذه المقالة لتسليط الضوء على الجوانب المختلفة لمسألة تحديد مطلع الهلال برؤيته بالعين أو الحساب الفلكي في الفقه الإسلامي، واستكشاف الآراء الفقهية المختلفة التي تناولت هذه القضية. وفي هذا السياق، سنعرض أيضًا آراء العلماء المختلفة في هذا الموضوع، وما إذا كان من الممكن الجمع بينهما بشكل يتماشى مع متطلبات العصر مع تقديم نظرة شاملة ودقيقة ومحاولة الوصول إلى تصور متوازن يمكن أن يكون مفيدًا في التعامل مع هذه القضية في العصر الحديث.